مؤتمر لشبونة.. إلتزام المغرب بمكافحة انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا


 أبرز عدد من المتدخلين خلال مؤتمر “إفريقيا القرن الواحد والعشرين”، الذي تم نظيمه في لشبونة معهد تعزيز وتنمية أمريكا اللاتينية، الدور الذي يضطلع به المغرب في تنمية وتعزيز الأمن الغذائي بإفريقيا وريادته العالمية في صناعة الأسمدة.


وشكل هذا اللقاء، الذي حضره سفير المملكة المغربية بلشبونة، السيد عثمان أباحنيني، وعدد من السفراء المعتمدين في البرتغال، والمنظمات الدولية ومؤسسات إفريقية وأوروبية، فضلا عن خبراء وأكاديميين، فرصة للمشاركين، لتسليط الضوء على التزام المغرب بمكافحة انعدام الأمن الغذائي على مستوى القارة الإفريقية، وتنشيط العلاقات الاقتصادية البين-إفريقية والتحديث الهيكلي للقطاع الفلاحي في افريقيا، إلى جانب التحديات الكبرى التي تواجهها القارة المرتبطة بالأزمة الغذائية.


وفي هذا الخصوص، أبرز المدير العام للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، محمد توفيق ملين، في كلمة له خلال جلسة حول موضوع “آثار الحرب في أوكرانيا على إفريقيا في مجال الأمن الغذائي”، أن المغرب خصص مليوني طن من الأسمدة لتعزيز الأمن الغذائي بإفريقيا خلال سنة 2021، مذكرا بأن المكتب الشريف للفوسفاط وتجسيدا لطموحه في المساهمة في تحديث الزراعة الإفريقية، وذلك بابرام عددا من الاتفاقيات لتنفيذ مشاريع إنشاء مصانع لإنتاج الأسمدة في كل من نيجيريا وغانا وإثيوبيا، ووضع خريطة للأراضي وإنتاج أسمدة ملائمة وتوفير عدد من المنتجات المناسبة للتربة.


من جهة أخرى، اعتبر السيد ملين أن تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي التي تشهدها إفريقيا تظهر التحديات البنيوية المهمة التي يتعين على القارة مواجهتها، من أجل التحصين القبلي ضد الصدمات المتفجرة في سياق عالمي متسم بالغموض والتعقيد .


وأضاف أن مواجهة هذه التحديات، تتطلب تكاثف المجهودات جماعيا يقوم على التعبئة وتحمل المسؤولية من قبل جميع الفاعلين على المستوى المحلي، وعبر الوطني، وذلك في إطار حكامة شاملة، وموجهة نحو تجسيد السيادة الغذائية داخل إفريقيا.


وتابع في ماخلته أن هذا المسار يستوجب اعتبار الغذاء كرهان جيوسياسي رئيسي، مؤكدا على أن مشاورات واسعة بين البلدان الإفريقية وتعاون متجدد بين إفريقيا وأوروبا وجنوب الأطلسي سيكون مفيدا للأمن الغذائي في إفريقيا والعالم.


وفي هذا الاطار، أشار إلى أن المملكة المغربية، وبالنظر إلى تجذرها الإفريقي وموقعها الجغرافي والتزامها من أجل تنمية مستقلة لإفريقيا، مستعدة لوضع تجربتها ومؤهلاتها من أجل إرساء علاقة ثلاثية الأطراف بين إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ومتضامنة ورابحة للجميع.


في السياق ذاته، اكد سفير المغرب بلشبونة، إن الأمن الغذائي، فضلا عن كونه ورشا وطنيا مهيكلا، فإنه يجسد التزام المغرب الأساسي على الصعيدين الدولي والإقليمي، مبرزا أن الأمن الغذائي محور مهم في السياسة المغربية للتعاون جنوب-جنوب.


كما يحتل المغرب بحسبه، مكانة مركزية في التعاون الثنائي مع الدول الشقيقة في القارة الإفريقية، وتوجد في جوهر المبادرات الرائدة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف سنة 2016، مثل مبادرة “تريبل أ” لتكييف الفلاحة الإفريقية، ومبادرة “تريبل إس) لدعم الاستدامة والاستقرار والأمن في إفريقيا.


وأضاف الدبلوماسي المغربي أن هذه المبادرات تكتسي أهمية استراتيجية وحيوية لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، من أجل تعزيز القدرة على الصمود  والتكيف بإفريقيا، وبالتالي ضمان الأمن الغذائي وتحسين التغذية في القارة الإفريقية، مذكرا بأن المملكة تتوفر على أكبر احتياطي من الفوسفاط في العالم، يقدر بـ 70 في المائة من الاحتياطيات العالمية، مما يجعلها دولة رائدة في مجال الأمن الغذائي.


من جانبه، قال باولو نيفيش، رئيس معهد تنمية أمريكا اللاتينية والكرايبي (IBDAL)، إن المغرب يعد دولة صاعدة تتمتع باقتصاد قوي، ولديها من التجربة والكفاءة ما يؤهلها للاضطلاع بدور ريادي للغاية في تعزيز الأمن الغذائي ليس في شمال إفريقيا فحسب، بل أيضا داخل الاتحاد الإفريقي، الذي يعد فاعلا رئيسيا فيه.


وأضاف السيد نيفيش أن العلاقات التي ينسجها المغرب مع محيطه المتوسطي والأوروبي وعلاقته الوثيقة مع عدد من بلدان أمريكيا اللاتينية، مثل البرازيل وغيرها، تؤهله لأن يكون له حضور قوي في معالجة عدد من القضايا، وفي المساعدة على إيجاد الحلول للإشكاليات المطروحة ومجابهة التحديات المشتركة، على غرار أزمة انعدام الأمن الغذائي.


وأبرز في هذا السياق، أهمية التعاون الثلاثي الأطراف الذي يضطلع فيه المغرب بدور جوهري لأنه يتمتع بموقع استراتيجي كجسر بين قارتين.


كما أشار رئيس المعهد البرتغالي إلى أن المغرب بلد جار للبرتغال، وتجمعه معه مصالح مشتركة، وهذا يسمح للبلدين بالعمل سويا من أجل مجابهة العديد من المشاكل والتحديات التي تواجهها إفريقيا وأوروبا معا، مذكرا على وجه الخصوص بقضايا الهجرة والحكامة وإشكالية الغذاء والتنمية وأزمة الطاقة وغيرها.


واعتبر أن وجود مشاكل وتحديات مشتركة بين بلدان المنطقة من قبيل الأزمة الغذائية وارتفاع التضخم والأسعار بسبب الحرب في أوكرانيا، تفرض بالضرورة وضع أجندة مشتركة لإيجاد حلول لها في الوقت الراهن.


بدوره، قال داميان برغر، أحد مؤسسي فريق (أشتار أناليتيك)، المتخصص في الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أن المغرب نجح في رهان تنويع فلاحته منذ إطلاق النسخة الأولى من مخطط المغرب الأخضر، وتحويلها إلى فلاحة ذات قيمة تصدير عالية، مما يساهم ذلك في دعم الأمن الغذائي للبلد.


من جهة أخرى، اعتبر المتحدث أن المغرب هو أحد الفاعلين الإقليميين والدوليين الرائدين في مجال الطاقة الخضراء منذ سنوات، ما مكنه من تخفيف تأثير ارتفاع أسعار الطاقة العالمية على اقتصاده.


وتطرق المتحدث، كذلك، إلى صناعة الفوسفاط، والتي يعتبر المغرب رائدا عالميا فيها، مسجلا التوجه الذي شهدته صناعة الفوسفاط بالمغرب نحو إنتاج وتصدير الأسمدة، وإطلاق مشاريع تعاون مشتركة مع دول في غرب وشرق إفريقيا في هذا المجال.


وأشار إلى إمكانية تحول المغرب في المستقبل إلى فاعل دولي رئيسي في مجال صناعة الأسمدة، مما سيعزز مكانته الجيوسياسية.


يذكر أن الهدف من تنظيم “إفريقيا القرن الواحد والعشرين”، وهو مؤتمر سنوي للدبلوماسية العامة، يتمثل بالأساس، في تنمية وتحسيس الفاعلين الأوروبيين بالإنجازات السياسية والاقتصادية الكبرى للقارة الإفريقية.

المقال التالي المقال السابق